وكالة الأناضول.. بطل مرحلة الكفاح الوطني في تركيا
أنقرة/ ارسين ألطنسوي/ الأناضول
تحظى وكالة الأناضول التركية بأهمية خاصة في تاريخ الجمهورية التركية، لما لعبته من دور فعّال في إعلام الأتراك والعالم بما يدور في تركيا خلال مرحلة الكفاح لنيل الاستقلال، مطلع القرن الماضي.
تأسيس الأناضول، في 6 أبريل/ نيسان 1920، تزامن مع مرحلة عصيبة للغاية من تاريخ تركيا، حيث كافحت حينها، وسط ظروف صعبة، ضدّ الفعاليات الدعائية، التي قامت بها قوات الاحتلال، بهدف كسر إرادة المقاومة والوعي الوطني لدى الشعب التركي.
وإيمانا منه بأنّ الكفاح ضدّ الأخبار الكاذبة والدعايات المغرضة يتمتع بأهمية كبيرة لا تقل عن الكفاح المسلح، وأنّ الصراع في مجال الإعلام لا يقل صعوبة عن الصراع في جبهات القتال، أصدر باني تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، تعليمات بتأسيس الأناضول، عام 1920، وكان يشرف على منشورات الوكالة بنفسه في مراحلها الأولى.
قوات التحالف، التي احتلت مدينة إسطنبول (شمال غرب)، أسست فيها وكالة أنباء تحمل اسم (THR)، برعاية وإشراف حكومة محمد فريد باشا.
وعندما انتقل أتاتورك إلى تراب الأناضول، قام بفعاليات للحيلولة دون تأثير منشورات هذه الوكالة، التي تعمل لصالح قوات الاحتلال، سلبا على نفوس المواطنين.
وبدأ أتاتورك فعالياته بالسيطرة على خطوط التلفراف، التي كانت من أهم وسائل الاتصال آنذاك، وبذلك حقق التفوق في مجال الاتصال داخل تراب الأناضول، وحدّ من امتداد تأثير وكالة (THR) إلى خارج إسطنبول.
** أقدم من البرلمان
هربا من الاحتلال خرج عدد من المثقفين من إسطنبول إلى تراب الأناضول، والتقوا مع أتاتورك، واقترحوا عليه فكرة تأسيس وكالة للأنباء.
لم ينتظر أتاتورك طويلًا، إذ وافق على الفور، وتأسست وكالة الأناضول رسميًا في 6 أبريل/ نيسان 1920، قبل افتتاح البرلمان التركي بـ 17 يوما.
بعدها بثلاثة أيام، وفي تعميم وُصف بالتاريخي، أبلغ أتاتورك كافة الولايات والألوية العسكرية بتأسيس وكالة الأناضول.
وتمّ إقرار تشغيل الوكالة، في المراحل الأولى، على شكل نشرتين يوميًا، وأولى المشرفون على الوكالة أهمية كبيرة لإيصال النشرات إلى كافة أرجاء البلاد.
** فضح قوات الاحتلال
في 5 مايو/ تموز 1920، أصدر رئيس البرلمان التركي، مصطفى كمال أتاتورك، تعميما جديدا، أمر فيه باستخدام كافة الوسائل المتاحة لإيصال نشرات الوكالة إلى كافة أرجاء البلاد، واعتبر التقاعس في إيصال النشرات "جريمة وطنية".
وإلى جانب المواطنين الأتراك، كانت نشرات الأناضول تصل إلى الوحدات العسكرية في الجبهات.
وبأمر من أتاتورك بُذلت محاولات جادة لإيصال النشرات إلى الوطنيين داخل إسطنبول، التي كانت حينها تخضع للاحتلال.
وكان الوطنيون الأتراك المؤمنون بقضية الاستقلال، يتحدّون جميع الصعاب والمخاطر من أجل إيصال النشرات الإخبارية الصادرة عن الوكالة وتوزيعها في إسطنبول.
نشرات الأناضول، في الفترة الأولى، كانت تتضمن القرارات الصادرة عن حكومة أنقرة، وأهم التطورات الخارجية وأخبار البرلمان والجبهات القتال، وتحاول فضح أكاذيب قوات الاحتلال.
وفي الفترة الأولى كان عدد العاملين في الوكالة 10 أشخاص فقط، وكانت المنشورات تُطبع في مطبعتين، لم يكن يوجد سواهما في أنقرة.
** شكوى بريطانية
في تقرير له بتاريخ 22 مايو /أيار 1920، تحدث المفوض السامي البريطاني، الأميرال جون دى روبيك، عن أنشطة وكالة الأناضول قائلًا، إن "القوميين أسسوا مؤخرًا في الداخل وكالة أنباء تصدر نشرات يومية عن أحداث أنقرة، وتصل إلى إسطنبول مع بعض التأخير".
وأضاف روبيك أن "السّمة الأبرز في وكالة الأناضول هو نشرها أخبارًا تروّج للعداء ضد دول التحالف، وبينها فرنسا الموجودة في سوريا، لكن بريطانيا في المقدّمة".
وتُظهر تقارير تعود إلى تلك المرحلة أن البريطانيين لم يكونوا يتابعون أنشطة الوكالة في إسطنبول فحسب، وإنما في الأناضول أيضًا.
وتفيد برقية للمخابرات البريطانية آنذاك بأن نشرات وكالة الأناضول تُباع لصالح دور الأيتام.
** تأثير خارجي
كان المفوض السامي الأمريكي، الأميرال بريستول، يُرسل نشرات الأناضول باللغة الفرنسية إلى واشنطن ضمن تقاريره الخاصة، وهو ما يدل على تأثير الوكالة في الخارج أيضًا.
** دخول إزمير
كان دخول الجيش التركي إلى إزمير (غرب)، في 9 سبتمبر/ أيلول 1922، وانتصاره على القوات اليونانية، بمثابة نقطة تحول فاجأت الأطراف التي كانت تستبعد الانتصار، وتعارض الكفاح الوطني في إسطنبول.
ويقول موظف الأناضول خيري بوداق، إن "أهالي إسطنبول كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أخبار الجيش التركي، خلال الهجوم على إزمير، وذات ليلة وصلنا خبر دخول الجيش إلى المدينة، وعلى الفور بدأنا بنشر الأخبار في شوارع إسطنبول".
لمحة عن تاريخ الوكالة
تزامن تاريخ تأسيس وكالة الأناضول للأنباء مع بداية تأسيس الجمهورية التركية . إذ تأسست الوكالة في 6 نيسان (أبريل) عام 1920 ، أي قبل 17 يوما من افتتاح مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) وبعد افتتاح البرلمان تولت الوكالة مهمة نشر القوانين التي كان يقرها في ذلك الوقت، كما وقفت الوكالة شاهدة على كافة مراحل حرب الاستقلال التركية، بل وعلى كافة الأحداث التي اعقبت تأسيس الجمهورية.
وكان للوكالة دور في بناء الجمهورية التركية إذ نشرت على كافة المحافظات التركية خبر قرار مصطفى كمال (الذي لقب لاحقا بأتاتورك) سيجتمع في أنقرة لتأسيس مجلس الأمة بعد أن تم غلق البرلمان العثماني الذي كان يعرف حينها بمجلس المبعوثان إثر احتلال إسطنبول رسميا في 16 آذار (مارس) 1920 م. ومن الأمور التي ساعدت على تأسيس الوكالة أن معظم المثقفين رأوا استحالة البقاء في اسطنبول في ظل تلك الظروف.وأخذوا يبحثوا عن سبل اللحاق بركب الكفاح الوطني.
وقد أتت فكرة تأسيس وكالة الأناضول بمحض الصدفة حينما تقابلت الصحفية والأديبة خالدة أديب مع يونس نادي (آبالي أوغلو) في إحدى محطات القطارات وهما في طريقهما إلى مدينة أنقرة للحاق بأتاتورك ورفاقه هناك. إذ اتفقا معا على ضرورة أن يكون أول شئ يقومون به هو تأسيس "وكالة أنباء" تركية. وطرحت عدة أسماء لإطلاقها على الوكالة المزمع إنشاؤها، ومن تلك الأسماء المقترحة كانت "الوكالة التركية" و "وكالة أنقرة" و "وكالة الأناضول". وبعد مشاورات اتفق الجميع على اسم "وكالة الأناضول" الذي مازال مستخدما حاليا.
وفي مقر إقامته في أنقرة تم طرح موضوع تأسيس الوكالة على أتاتورك وأ درج في جدول أعماله، وبالفعل تم تأسيس الوكالة في 6 أبريل عام 1920 بعد اتخاذ القرار النهائي في الشأن
وفي حرب الإستقلال التركية قامت الوكالة بأداء مهمة بالغة الصعوبة. إذ كان منوطا بها إبلاغ أخبار تركيا والعالم للجنود الاتراك في الجبهة الذين باتوا مقطوعين عن العالم الخارجي. وبذلك ساهمت الوكالة في مكافحة مواقف الانقياد والخنوع التي كانت تتبناها بعض الصحف العالمية وبعض صحف إسطنبول بضغط من سلطات الإحتلال في ذاك الوقت. وقامت الوكالة كذلك بإسماع صوت مناضلي الحركة الوطنية التركية بالخارج لتعريف الرأي العام العالمي بحقوق تركيا المشروعة في كفاحها للإحتلال الأجنبي، وإحباط الدسائس التي كانت تحيكها بعض الجهات المعارضة لمشروع الإستقلال.
وفي 1 مارس من عام 1925 م تأسست شركة تركية مساهمة تحت اسم "شركة وكالة الاناضول" وقام مصطفى كمال أتاتورك بتكليف مجموعة من رفاقه بتطوير عمل وكالة الأناضول حسب المعاير الحديثة المعمول بها في دول أوروبا الغربية وقتئذ. فأصبح للوكالة حينها وضع مستقل تتمتع فيه بنظام مؤسساتي متميز لم يكن معمول به حتى في الدول الاوروبية.